أما زلت مستغربا؟!
المتعقل لا يستغرب، بل إن الغرابة تكمن في ثمة أناس بيننا مازالوا
يستغربون.. فطبيعة الوجود قائمة على
متوازيات بين أصيل وزائف، ولكل منهما مهامه التي يستنفذها ما بقي وجوده، حتى يشيّد
الحق بنيانه بسواعد المعمرين ويشتد ليقوض بواطل المبطلين مهما طال بهم الزمن وبسطت
لهم الأماكن سجاجيد إفسادهم، فبتمامهم تنمو بذور فنائهم وتزدهر حتى تورق نهاياتهم..
( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ).
ما الجديد عندما تمتلك أناك ويصبح كل ما سواك آخر، مشكّلا مركزيتك بوضوح..
حينئذ ستبقى أنت المغاير الذي يؤكد ذاته التي تصيّر كل ما حولها إلى موضوعات.. فمن
طبيعة الذوات أنها لا تتذاوب بأي حال مع موضوعاتها إلا إذا كانت ذوات متشظية وزائفة،
فإن تحقق مفارقتك بإزاء الأطراف الطارئة بالضرورة ستخضعها للدراسة بدلا من أن تكون
مدروسا.. وللتذكير بالسردية الغربية التي تتمحور حول مركزيتها التي تخول لها إخضاع
دول الأطراف إلى مواد مدروسة.. تستعملها كدواب الحقول.. تحترث فيها ما تشاء من القيم
المتهافتة والأفكار اللاإنسانية.
كونك إنسان فرد
متفرد، أو مؤسسة لها كيانها، أو دولة مستقلة.. فلا بد أن تعي هذه المبادئ الوافدة،
وتعزز مبادئك الراسخة.. ولا تتهاون فيها لتكون فعل لا رد فعل، أثر لا متأثر، مصيرك
بيدك لا بيدهم، ولن تنتظر من يقرر بالنيابة عنك، فالعقلانية المحضة لا تتشبه بالعقول
الأداتية المشيئة والتي تستعمل من قبل كل طارئ حتى تنتفي صلاحيتها ومن ثم يرميها في
حاوية المهملات كنتيجة حتمية لنهايتها التي ارتضتها اختيارا أو قهرا.
إن دول الشنطة
الوظيفية أصبحت ظاهرة على السطح بلا خجل، ومازالت تعمل بجد واجتهاد لتحقيق غايات
دول المركز ولا تكل من تدعم شذاذ الآفاق وشتات الأرض، علها تحظى بوجود يخفف من
صغارها، فمهما كانت الالتزامات السامة التي تؤديها إلا أنها لا تتوانا عن الهروب
إلى هاوية التاريخ، كضفدع المستنقعات الآسنة، وهذا ينطبق على كل فاقد لذاته وأصالة
وجوده.
أن تكون مواطنا
في عصر الدولة التي لا تتنازل عن الريادة كـ المملكة العربية السعودية، بإرثها،
أصالتها، قيمها، دينها، مقدساتها، مركزيتها، ثقافتها ورسالتها.. فأنت المتفرد بخصائص
إنسان الوطن الناجح الذي تنسجم فيه القيادة بشعبها لترتقي بالإنسانية وعمارة الأرض،
محققا نموذج الذات المكتفية، والمثال الحي لمن فضّله الله على كثير ممن خلق
تفضيلا.
فإن تكن سعوديا تكون متفردا بمسؤولياتك، وإن
تكن كذلك ستكون هدفا لجهات ضدية فيما بينها، مختلفة في تكويناتها الفكرية وبنيتها العقائدية
التي لا تتفق إلا في سياق مناهضتك، وتنميطك بكل الوسائل والطرق التقليدية والإلكترونية،
ولا أتوقع أن سعوديا مازال مستغربا حملات التشويه وخطابات الكراهية الموجهة إليه
من المحيط غربه وشرقه، ويكفي أن تعلم أن الدوافع التي توحد الأضداد إزائك وتلملم
شتاتهم في خندق واحد هي تفرّد وجودك.
إن المعركة نحوك معركة وجودية، ولا يلام إلا كل
متقاعس عن دوره المعرفي، والأخلاقي في الدفاع عن وطنه وقيادته ومجتمعه، فثمة من
يمتلك المؤسسات الإعلامية العملاقة ملاءة والمشتغلة بما دون المأمول، وثمة مؤسسات
فكرية لم تقدم بعد الخطاب الذي يفكك ركائز ما يرد من هذا الوافد المغاير، فكاتب رواية
آيات شيطانية هندي بريطاني تطاول على ثوابتك ليحصل على جوائز عديدة ومن أعلى دوائر
القرار الغربية، لذا لا غرابة من اجترار شؤونك الفردية التي يتم نبشها وتضخيمها،
فالمكاسب مجزية وجاهزة، ولا دهشة أيضا أن تم تأليف ما لا واقع له مستقبلا طالما
الضدية أمر واقع وصريح. فقط خذ أنت خطوة إلى الأمام ومن ثم ابدأ بمعرفة عدوك، وأخضعه
للتشريح النظري، وسلّط عليه خطابك في مساحة فضائية كافية لتقدم له صورته وهي مفككة
رتيبة تجبره على الانشغال عنك بالاشتغال في إعادة صياغة حالته وترميمها. فالفضاء
العمومي متاح للجميع، إما إن تحتويه أو سيجعلك محتوى له.
طالب فدّاع الشريم
تعليقات
إرسال تعليق